صناعة الدور الأردني في مشهد إقليمي متحول

عامر سبايلة

قبيل زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المرتقبة إلى السعودية، الإمارات، وقطر، تتسارع الخطوات لتهيئة الأرضية لمشهد “السلام الإقليمي” الذي يرغب أن يكون محور زيارته المقبلة، والتي ستبدأ من المملكة العربية السعودية. وفي هذا السياق، يكثر الحديث عن رغبة سعودية بتنظيم لقاء يجمع بين الرئيس السوري أحمد الشرع والرئيس الأميركي في الرياض. وبغض النظر عن احتمالية حدوث هذا اللقاء، فإن ما يجري على الساحة السورية يشير إلى خطوات تكتيكية وبراغماتية لافتة، تندرج ضمن إستراتيجية إعادة التموضع التي يتبعها النظام السوري الجديد، بهدف فتح مسار تأهيل جديد مع الغرب.

الرسائل التي يبعث بها الشرع تتجاوز مجرد إجراءات داخلية، إذ تدخل ضمن سياق البحث عن قبول أميركي، عبر فكّ الارتباط بين الأرض السورية ومعادلة الصراع مع إسرائيل، ومنع الفصائل الفلسطينية من النشاط على الأراضي السورية، وصولاً إلى رغبة النظام في الانضمام إلى الاتفاق الإبراهيمي، بما يتناغم مع مساعي واشنطن لإعادة رسم خريطة “السلام الإقليمي”.

في ظل هذا المشهد المتغير وغير المسبوق في الإقليم، تصبح ضرورة إعادة صياغة الدور الأردني أكثر إلحاحاً. فنجاح الأردن في بناء دور إقليمي جديد، متوازن ومبادر، يُعد أحد أهم عوامل حفظ استقراره وضمان مصالحه الوطنية، كما أنه يعزز موقعه في عيون حلفائه، لا سيما الولايات المتحدة.

ورقة التعاون الأمني تمثل أحد عناصر القوة التي يمتلكها الأردن، ويمكن توظيفها لتوسيع مساحة تأثيره السياسي. غير أن هذه الورقة لا بد أن تقترن بسياسة خارجية مرنة، منفتحة، تنطلق من مبدأ “قوة السياسة”، لا الاكتفاء بمجرد تلبية متطلبات الأمن.

وقد يحتاج الأردن في المرحلة المقبلة إلى دور أعمق لا يكتفي بردّ الفعل، بل يتقدّم بمبادرات ويؤسس لموقعه كوسيط إقليمي في أكثر الملفات حساسية وتعقيداً: سورية، العراق، ولبنان. هذه الملفات ترتبط مباشرة بالبعد الإستراتيجي للأردن، سواء من حيث الأمن، أو الامتدادات الجيوسياسية والاجتماعية، أو حتى من حيث الأمن المائي والاقتصادي. وهنا، تصبح الدبلوماسية الأردنية مطالبة بلعب دور فاعل في تقديم حلول إقليمية وصياغة تفاهمات، بدلاً من الاكتفاء بالمراقبة أو الوساطة الشكلية.

لكن، لا بد من التأكيد أيضاً على أن هذا الدور الخارجي لن يكون ممكناً ولا فعالاً ما لم يُبنَ على أساس صلب داخلياً. ومن هنا تبرز أهمية التعامل مع التحديات الداخلية ضمن إطار مشروع وطني واضح المعالم، يرسّخ مفاهيم الهوية والانتماء.

في هذا السياق، يُعدّ قرار حظر جماعة الإخوان المسلمين ومنع نشاطاتها نقطة تحوّل مفصلية في العلاقة بين الدولة والتنظيم. وعلى الرغم من أن التوتر في هذه العلاقة ليس جديداً، وبلغ في مراحل متعددة ذروات حرجة، إلا أن ما حدث مؤخراً يُشكّل علامة فارقة تختلف نوعياً عمّا سبق، حتى خلال ما سُمي بـ”الربيع العربي”، حين برزت طموحات الجماعة السياسية بشكل غير مسبوق.

القرار الأردني هذه المرة لا يقتصر على الجانب الأمني، رغم أن الدوافع الأمنية واضحة. فمستقبل الجماعة بات اليوم على المحك، سواء من حيث حرية الحركة، أو الشبكات الاقتصادية والاجتماعية، أو حتى نشاطها السياسي التقليدي.

لكن، التحدي الحقيقي لا يكمن في اتخاذ القرار فحسب، بل في ما بعده. فتعامل الدولة مع جماعة الإخوان لا يجب أن يبقى محصوراً في الزاوية الأمنية. المطلوب هو بناء إستراتيجية وطنية شاملة، تعيد صياغة المشهد الفكري والثقافي داخل الأردن، وتواجه جذور التطرف، وتُعزّز مفاهيم التنوير والانتماء والمواطنة.

بمعنى آخر، لا بد من مشروع نهضوي وطني طويل الأمد، يطرح بدائل فكرية وقيمية، ويعيد الاعتبار للثقافة، والتربية، والتعليم، في سياق إعادة تعريف الهوية الوطنية، لا مجرد ضبط الإيقاع الأمني.

الأردن اليوم أمام فرصة نادرة لصناعة دور إقليمي جديد ومؤثر، وفي الوقت ذاته إعادة ترتيب بيته الداخلي على أسس أكثر صلابة واستدامة. وهذا يتطلب رؤية، وإرادة، وتحركاً سريعاً يتجاوز منطق “الاستجابة للضغوط”، نحو منطق “صناعة المبادرة”.

(الغد)






زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق