أين وصلت الاختراقات الأمنية؟

ماهر أبو طير

السؤال الأكثر إثارة للجدل يتعلق بقدرة إسرائيل على تجنيد العملاء في كل مكان، في حين ندر ما تسمع عن تجنيد العرب والمسلمين لعميل إسرائيلي داخل فلسطين.

عدا الدراما المصرية وقصص رأفت الهجان، والمبالغات فيها ربما، وبعض القصص التي سمعناها أو تسربت حول تجنيد إسرائيليين، فإن علينا من باب النقد أن نبحث عن إجابات حول أسباب قدرة إسرائيل على تجنيد عرب ومسلمين مع الإقرار هنا أن هناك مقابل العملاء مئات آلاف الأبطال والشهداء، وممن رفضوا الوقوع في هذه المستنقعات، وهي قضية بحاجة إلى خبراء اجتماع لبحثها، مع معرفتنا مسبقا بوجود فروقات بين التجنيد حين يكون المحتل مباشرا، وبين التجنيد حين تكون بعيدا جغرافيا، لكنك تتمكن أيضا من تحقيق اختراقات أمنية وعسكرية، وتجند عملاء.

مناسبة هذا الكلام الحوادث التي تقع خارج فلسطين المحتلة، وآخرها الانفجار في الميناء الإيراني، والمعلومات المتسربة حول وجود عامل بشري ربما زرع المفخخات، في حاويات المواد الكيماوية في رسالة من إسرائيل التي لم تتبن العملية، وربما تم زرع المفخخات قبيل تحميلها وتصديرها إلى إيران، وربما خلال الطريق إليها، وربما بعد تخزينها، في حادثة تشابه ميناء بيروت الذي لا يمكن عزل الاحتلال عنه، ولا عن وجود عنصر بشري عميل ساهم بتفخيخ مخزون النترات، مقابل المال، وهذا المال أدى إلى زلزلة مدينة كاملة، وقتل الأبرياء، وترويعهم.

ذات الطريقة رأيناها في لبنان، من حيث معرفة الاحتلال لمواقع سرية لحزب الله، بعيدا عن الرقابة الإلكترونية، إذ لولا التجسس البشري لما تسربت معلومات كثيرة، برغم كل الاحتياطات، ويكفي حادثة تفجير أجهزة البيجر، لتؤشر على الاختراق الأمني، وبطبيعة الحال دور العنصر البشري، وهو أمر نستطيع سحبه على سورية، وفلسطين، واليمن، ودول ثانية، تستهدفها إسرائيل التي وصلت شبكاتها الأمنية إلى أفريقيا، وأوروبا، وآسيا، وكلنا شاهدنا تقارير عن شبكات التجنيد الإسرائيلي في تركيا التي كشفتها أنقرة، وهذا يعني أن الأمن الإسرائيلي نشط، وممول ماليا، وأهدافه محددة، ويعمل على امتداد مساحة واسعة في المنطقة ودول العالم.

السؤال الأبرز الذي يتوجب إثارته بصوت مرتفع يتعلق بهذه الهشاشة التي يتسم بها أهل المنطقة، حيث يسقط بعضهم بسهولة، أو من خلال الصيد الأمني في شباك الاحتلال الإسرائيلي ويتحولون إلى قنابل موقوتة تهدد أمن بلادهم، وتتسبب بقتل الأبرياء، ووصف هذا الأمر بالخيانة أمر غير كاف، لأننا أمام عمل أمني منظم، لا يقابله في حالات كثيرة أي محاولة لردعه، أو صناعة عمل أمني ضد الاحتلال ذاته، وداخل صفوفه، وكأنّ الساحات العربية والإسلامية مفتوحة لهؤلاء، ويمارسون فيها نشاطاتهم، بكل هذه القدرة على التسلل، وتحقيق الأهداف.

إذا كانت إيران تتعرض لكل هذه الاختراقات التي من بينها أيضا سرقة كل الأرشيف النووي الإيراني سابقا، واغتيال علماء إيرانيين، بعد رصدهم، وإشعال النيران في مصانع ومنشآت إيرانية في أوقات سابقة، فهذا يعني أن كل شيء مخترق، لتسأل نفسك عن حصانة أبناء هذه المنطقة، والاستعداد للخيانة بذرائع الكراهية، أو الحقد، أو الثأر، أو الظلم، أو مقابل المال، أو بسبب إسقاط أمني.

لا نتورط هنا بسوء نية أو حسن نية، بعملقة الاحتلال، أو إضعاف الروح المعنوية لأبناء المنطقة، وهي منطقة قدمت الدم في كل دولها، ودفعت ثمنا غاليا بسبب الاحتلال الإسرائيلي، لكن ما يؤلم حقا، أن كل العالم العربي والإسلامي بات ساحة للاختراقات الأمنية الإسرائيلية، فيما ندر ما تسمع عن إسرائيلي تم تجنيده لصالح دولة عربية وإسرائيلية، وكأن لا أحد يحاول أصلا، ولا أحد يقترب أمنيا من إسرائيل، إضافة إلى وجود خلل بنيوي عقائدي واجتماعي يتوجب تشخيصه من المختصين ليقولوا لنا، أسباب هذا التمدد في المنطقة، على كافة المستويات.

(الغد)






زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق