السؤال الغلط: من يملأ فراغ «الإخوان»؟
حسين الرواشدة

من يملأ فراغ الإخوان المسلمين؟ السؤال غلط لأكثر من سبب، أولا : الإخوان، كأفراد، مواطنون أردنيون وجزء من النسيج الاجتماعي، حظر التنظيم غير المشروع لا يعني إقصاءهم من المشاركة في الحياة العامة، الوطن لجميع الأردنيين، والإسلام دين للعالمين، وليس « صكا» للإخوان المسلمين او غيرهم.
ثانيا: الإخوان لن يتركوا أي فراغ لأن خروجهم من التنظيم يفتح أمامهم وأمام الأردنيين فضاءات واسعة لبناء مجتمع متعدد، يحترم اختلافاته، ولا يخضع لأي إيديولوجيات لها امتدادات خارجية، ثالثا : الدولة الأردنية هي (لا أي تنظيم) المسؤولة عن رعاية مواطنيها، وقادرة على ذلك، المطلوب من الأردنيين أن يؤمنوا ويثقوا بها، وأن يسعوا لإصلاح إداراتها، ولا يتعمدوا المزاودة عليها، او تهشيم صورتها، أو الإساءة إليها بأية وسيلة.
أمام الدولة الأردنية، ومعها الأردنيون، فرصة لإعادة ترتيب البيت الداخلي، نحتاج إلى عناوين عديدة، بعضها حان وقته الآن، وبعضها يحتاج تنفيذه لفسحة من الوقت، المهم أن نبدأ بتوافقات وطنية على خارطة طريق نحو المستقبل، خذ مثلا: تعزيز الهوية الوطنية الأردنية كمشتركٍ لترسيخ مبدأ المواطنة، وجامعٍ للأولويات، وضامنٍ للأمن والاستقرار، ترسيم العلاقة بين الدولة والمجتمع على أساس الثقة والاحترام المتبادل والاحتكام للقانون، تحديد أدوار ومهمات إدارات الدولة وعلاقتها مع بعضها في إطار التكامل والانسجام، لا التدخل أو التداخل.
خذ حزمة أخرى، إقامة موازين العدالة بين الأردنيين وتوزيع الثروات والمكتسبات الوطنية على أسس واضحة وعادلة، الاستدارة إلى الداخل الأردني من خلال إطلاق حركة وعي ثقافي وتعليمي تعزز انتماء الأردنيين لبلدهم وأمتهم وتاريخهم، وتشكل مصدات لأي اختراقات تستهدف هذا الوعي، او استخدامه ضد القيم والمصالح العليا للدولة الأردنية.
قائمة العناوين طويلة، وتنفيذها ممكن حين تلتقي إرادتا الدولة والمجتمع معا، لا يمكن أن نواجه الاستحقاقات الخارجية إذا لم ننجح ببناء جبهة داخلية محصنة من أي عبث أو انقسام، نخدع أنفسنا إذا قلنا إننا لم نخطئ، أو أن أوضاعنا على ما يرام، ما حدث في عالمنا العربي والمنطقة، على مدى السنوات الماضية، خاصة بعد 7 أكتوبر العام قبل الماضي، كان (زلزالا) خطيرا، سقطت بعده قاعدة «الاستثناء»، وتغيرت معه معادلات كثيرة وكبيرة، الثابت الوحيد هو أن الأردنيين وحدهم كانوا، وما زالوا، الاحرص على بلدهم، ولهذا فإن رد تحية إليهم من قبل إدارات الدولة اصبح ضرورة وطنية، الدليل عليها مكاشفتهم بكل شيء، وتطمينهم على مستقبل بلدهم، والاهم التعامل معهم «بشرف المواطنة» التي يستحقونها.
خرج الإخوان المسلمون من قيود التنظيم المنحل، أو هكذا يجب، وعادوا إلى حضن الدولة الأردنية، أو هكذا يجب أيضا، أهلا ومرحبا بكل الأردنيين حين يخرجون من قفص التنظيمات العابرة للحدود، ويندرجون في ورشات العمل الوطني بأمانة وإخلاص، حين يقولون بصوت واحد : كلنا أردنيون، نحزن لأجل الأردن ونفرح من أجله ونتسامح، عروبيون، مسلمون، مسيحيون، بالفطرة لا بالطلب والوظيفة، أسرة أردنية واحدة في المصاهرات السياسية، كما نحن في المصاهرات الاجتماعية.
صحيح، الأردن ليس «المدينة الفاضلة «، لكنه المدينة الأجمل بما فيه من الناس الطيبين، أخلاق الأردنيين والهاشميين هي التي صنعت معجزة الصمود والإنجاز والاستمرار، هذه الأخلاق يجب أن نحافظ عليها مهما اختلفنا، وعليه أقول: لا فراغ يتركه الإخوان أو غيرهم، الأردن فضاء واسع يتسع الجميع، ويجب على الجميع أن تتسع صدورهم لكي يبقى كما كان على الدوام؛ سيداً عزيزاً لا يُضام.
(الدستور)