غزة على مفترق طرق
إسماعيل الشريف

لقد تحدثنا عن غزة – ويقصد بذلك مع نتن ياهو – وقلت: يجب أن نكون طيبين مع غزة. هؤلاء الناس يعانون، وسنعتني بهم. هناك حاجة كبيرة للغذاء والدواء، ونحن نعمل على ذلك. ترامب.
يتواجد حاليًا وفد من حركة حماس في القاهرة لإجراء محادثات مع الوسطاء، بهدف إحياء اتفاق وقف إطلاق النار الذي قوضته الدولة المجرمة الشهر الماضي، لتستمر في إبادتها الجماعية.
وقد حصل موقع «دروب سايت» على نسخة من عرضٍ مقدم لحركة حماس، يقضي بوقف مؤقت للمجزرة لمدة خمسة وأربعين يومًا، تمهيدًا لمفاوضات تهدف إلى التوصل لوقف دائم لإطلاق النار، إلا أنه يتضمن تعديلات جوهرية على الاتفاق الأصلي، أبرزها الإبقاء على الوجود العسكري الصهيوني ونزع سلاح المقاومة.
تتضمن المسودة الجديدة النقاط التالية:
وقف فوري للهجمات الصهيونية مقابل إفراج حركة حماس عن الأسير إدين ألكسندر، الأميركي-الصهيوني البالغ من العمر 21 عامًا، من نيوجيرسي، والذي انضم إلى لواء جولاني في الجيش الصهيوني عام 2022، وأُسر على يد حماس في 7 أكتوبر 2023 أثناء تواجده في قاعدة «وايت هاوس أوتبوت» قرب كيبوتس نيريم، وذلك كبادرة حسن نية تجاه الرئيس ترامب.
في اليوم الثاني: إطلاق خمسة أسرى صهاينة مقابل الإفراج عن 677 أسيرًا فلسطينيًا.
إعادة انتشار الجيش الصهيوني إلى مواقعه بتاريخ 2 مارس، دون التزام بانسحاب كامل، مما يعني بقاءه في مناطق داخل القطاع دون تحديد جدول زمني للانسحاب الشامل.
فتح ممر نتساريم لحركة المدنيين بحرية بعد أسبوع من بدء التنفيذ.
استئناف تدفق المساعدات الإنسانية تحت رقابة مشددة لضمان وصولها إلى المدنيين فقط.
غير أن هناك عقبتين رئيسيتين سترفضهما حماس: الأولى استمرار الاحتلال العسكري تحت مسمى «إعادة الانتشار الأمني»، والثانية نزع سلاح غزة، إذ صرحت حماس مرارًا بأنها لن تسلّم سلاحها إلا ضمن مسار لا رجعة فيه نحو إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وجيش وطني مستقل.
وفي المقابل، تطرح حماس مبادرتها لوقف المجزرة، والتي تقوم على ما يلي:
إطلاق جميع الأسرى الصهاينة دفعة واحدة.
– إنهاء الحرب بشكل كامل.
– رفع الحصار عن غزة.
– انسحاب جيش الاحتلال بالكامل من جميع مناطق قطاع غزة.
– إرساء هدنة طويلة الأمد (من خمس إلى عشر سنوات)، مع تسليم إدارة غزة لهيئة فلسطينية انتقالية مستقلة تشرف على إعادة إعمار القطاع حتى إجراء انتخابات ديمقراطية.
– احتفاظ المقاومة بسلاحها إلى حين تأسيس قوة دفاع فلسطينية وطنية.
لم يلتزم الكيان الصهيوني منذ اتفاق كانون الثاني بالاتفاق الأول الموقع، بل استغله لإطلاق أكبر عدد من المحتجزين، ثم عاد فورًا إلى ارتكاب المجازر وأغلق المنافذ لفرض حرب التجويع. كما رفض إرسال مفاوضيه لتنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، وروّج أكاذيب بأنه قدم عروضًا جديدة لوقف الإبادة، بينما تتعنت حماس بالرفض. وقد أكدت حماس أن ما يُطرح ليس إلا تكرارًا لمطالب نتن ياهو ومجانين حكومته، وعلى رأسها نزع سلاح المقاومة، وإطلاق جميع المحتجزين، وخروج قيادات حماس من غزة، ليتسنى لنتن ياهو إعلان «انتصاره الكامل».
للأسف الشديد، لا يستطيع أحد وقف هذه المجزرة سوى عبر مظاهرات عارمة، وعصيان مدني، وتمرد واسع داخل جيش الكيان، وهو ما لم يحدث حتى الآن. أما الخيار الآخر، فهو الرئيس ترامب، سيد تل أبيب، إذ قد نشهد، في ظل التحضيرات لزيارته المرتقبة إلى الشرق الأوسط، أن يمارس ضغطًا على نتن ياهو لوقف مؤقت للعدوان مقابل إطلاق سراح بعض المحتجزين، ليسجل بذلك إنجازًا سياسيًا يصطحبه معه إلى دول الخليج الشقيقة، متفاديًا أي ضغوط هناك.
أثبتت الأيام أن ترامب يتعامل مع غزة بمنطق الصفقات لا المبادئ، ولهذا فإن ما ننتظره من الأشقاء في الخليج هو ممارسة ضغط فعلي وقوي على إدارة ترامب لوقف المجزرة بالكامل قبل جولته الخليجية. وعلى الرغم من أن جهودًا كبيرة تُبذل في هذا الاتجاه وقد أفضت إلى تغيرٍ واضح في نبرة ترامب، إلا أن الرهان الحقيقي يظل معقودًا على ترجمة الأقوال إلى أفعال ملموسة على الأرض.
(الدستور)