ما القصة التاريخية للنقش الفرعوني في وادي رم؟
الاكتشاف يعزز الهوية الوطنية والتاريخية للأردن

يحوي الأردن أكثر من خمسين ألف نقش بمختلف اللغات والحضارات
هلا أخبار – خاص – “بدأت القصة بشكل غير متوقع”، بهذا استهل الدكتور علي المناصير، رئيس قسم إدارة الموارد التراثية والمتاحف في الجامعة الهاشمية، حديثه عن واحد من أهم الاكتشافات الأثرية في الأردن خلال السنوات الأخيرة.
“في البداية، تداول بعض الأشخاص صورا عبر صفحات التواصل الاجتماعي تظهر نقشًا غريبًا في إحدى مناطق جنوب شرق محمية وادي رم. حين وصلت هذه الصور إلى وزيرة السياحة والآثار، لينا عناب، تحركت الوزارة سريعا وأخذت الأمر بجدية… شُكل فريق فني ميداني للتحقق من صحة المعلومة ومن أصالة النقش، ضم الدكتور علي المناصير وأحمد لاش من دائرة الآثار العامة”.
يقول المناصير في لقائه عبر برنامج “هنا الأردن” الذي يبث صباحا عبر إذاعة جيش اف ام، “فور تشكيل اللجنة توجهنا إلى الموقع في زيارة ميدانية دقيقة”. هناك، وسط صخور وادي رم الشاهقة، “وقفنا أمام نقش فرعوني مذهل”.
يتابع: أجرينا عملية فحص وتوثيق علمي شاملة للتأكد من صحة النقش وقدمه، ودرسنا موقعه وطبيعة الصخور التي نُحت عليها، وبعد استكمال الدراسة، تأكدنا أننا أمام اكتشاف حقيقي وفريد، ليتم لاحقًا الإعلان عنه بشكل رسمي.
اقرأ أيضا: اكتشاف نقش "هيروغليفي" فرعوني في جنوب الأردن
وحول أهمية الاكتشاف، أوضح المناصير أن النقش يعود لعهد الملك رمسيس الثالث، ويؤرخ إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد.
“هذا النقش تحديدًا يتميز بوجود خرطوشتين ملكيتين – واحدة تحمل اسم الملك عند ولادته، والأخرى عند تتويجه – وهو ما يدل على أنه نقش ملكي بامتياز، مؤكدا على أن وجود نقش ملكي بهذا الوضوح خارج مصر “أمر نادر جدا”.
“وجوده هنا في وادي رم يشير إلى أن الملك أو حملة تابعة له قد مرت بهذه المنطقة، من وضع النقش يريد أن يقول لنا: “كنت هنا”، مما يؤكد عمق التواصل الحضاري والتجاري بين الأردن ومصر القديمة”، يضيف المناصير.
“رمسيس الثالث كان قائدا عسكريا عظيما، قاد مصر في فترة عصيبة تخللتها هجمات خارجية من شعوب البحر، هذا الملك كان يعمل على تأمين حدود مصر، وفتح طرق تجارية جديدة، وربما جاء هذا النقش نتيجة إحدى تلك الحملات”.
وفي هذا السياق – يقصد التواصل الحضاري – فإنه من المعلوم أن الأردن اليوم هو بمثابة مكتبة مفتوحة للنقوش والتراث المكتوب، إذ يحوي أكثر من خمسين ألف نقش بمختلف اللغات والحضارات، من المصرية إلى النبطية واليونانية والسريانية والعربية القديمة، واكتشاف هذا النقش الفرعوني الملكي هو إضافة أخرى تؤكد أن أرض الأردن كانت دائما ملتقى حضارات وممرا حيويا عبر التاريخ”. يقول المناصير.
أما عن شكل النقش، فيصفه المناصير قائلاً: “تخيل شكل بيضة ممدودة بعض الشيء، محاطة بخط بيضاوي يمثل حماية للاسم الملكي. المصريون القدماء كانوا يقدسون اسم الملك إلى درجة أنهم يحيطونه بهذا الشكل لحمايته من أي انتهاك.”
وبخصوص التعامل مع الاكتشاف، أشار الدكتور إلى أن النقش سيبقى في موقعه الأصلي، حيث إنه محفور على صخرة ضخمة تشكل جزءًا من تكوينات جبلية طبيعية. وأضاف: “حرصنا على عدم الكشف عن الإحداثيات الدقيقة للموقع، حفاظًا عليه من العبث، خصوصًا في ظل بعض التصرفات غير المسؤولة التي قد تهدد سلامة هذا الإرث النادر.”
مشيرا إلى أنه يقع في منطقة عسكرية، على بعد 470 كيلومترا من العاصمة الأردنية عمّان.
ويشدد الدكتور المناصير على أهمية هذا الاكتشاف في تعزيز الهوية الوطنية والتاريخية للأردن، مؤكدا أن الأردن كان وما يزال جزءا أساسيا من مشهد الحضارات الإنسانية منذ آلاف السنين.